يتضمن هذا الكتاب دراسة مقارنة بين مفكرين هما (ابن خلدون) و(مكياڨللي). ورغم أنَّ كلًا منهما ينتمي إلى حضارةٍ مختلفة، ولا يوجد مؤشر يدل على تأثير أحدهما في الآخر، إلَّا أنهما يتوصلان إلى استنتاجاتٍ متماثلة في معظم الأحيان. وهذه ليست حالة فريدة من نوعها؛ فنحن نصادف كثيرًا من الحالات المشابهة عندما نتابع تطور الأفكار العربية الإسلامية والأوروبية المسيحية. فإلام يجب أن نُرجع هذه المصادفات؟ إلى الوحدة الجوهرية للفكر البشري؟ أم إلى المصادفة؟سؤالٌ صعب، وللرد عليه في هذه الحالة التي تشغلنا، سنُحلل العناصر التالية:
لا يمكن أن نُرجع ذلك التشابه بين المفكّرَين إلى تأثير (ابن خلدون) على مكياڨللي، لأن (مكياڨللي) متأخر عن (ابن خلدون). وبالتالي، سنفترض وجود مصدر مشترك، وتشابه الظروف المحيطة. فقد أثر (أرسطو) تأثيرًا كبيرًا في كلٍ من (ابن خلدون) و(مكياڨللي)، كما تتشابه الظروف التاريخية حيثُ عاش الرجلان حوادث متشابهة في البلدين حيثُ كان يسود وضع الخراب والحرب نفسه. كما أنهما كانا يستعملان المنطق نفسه لفهم وضعين قابلين للمقارنة، وتوصلا إلى الاستنتاجات ذاتها لأنهما استعانا بطريقة منهجية واحدة، رغم اختلاف المجتمعات، وهذه هي أبرز التشابهات بينهما:
أولًا: عاش (ابن خلدون) في شمال إفريقيا، ثم في مصر، ولم يعرف أوروبا المسيحية إلا عند قيامه بمهمة قصيرة في إشبيلية. وكذلك (مكياڨللي) فقد قضى كل حياته في فلورنسا، ولم يغادر إيطاليا إلَّا للقيام بمهمات سريعة في فرنسا وألمانيا.
ثانيًا: كان (ابن خلدون) يُمثِّل المثقف المتشرد، بحثًا عن وضعٍ مستقر، في غرب إسلامي تتقاسمه دول واهنة تمزقها الخصومات والعداوات. وفي حالة (مكيافللي)، لم تتحقق نهضة أوروبا الشمالية إلا بغزو شبه الجزيرة الإيطالية فقهرت دولها ونهبت ثرواتها. وهذه التجربة المؤلمة هي التي تسود في فكر (مكياڨللي).
ثالثًا: لقد أراد الرجلان أن يلعبا دورًا في السياسة العملية، وكلاهما فشل. فعودة المديسيسيين إلى فلورنسا أبعدت (مكياڨللي) عن أمور السلطة ومسالكها. وأراد (ابن خلدون) أن يُوجه أمير بوجة، ثم قرر أن يُربي أمير غرناطة، وكل محاولة تؤول إلى السجن والفرار.
رابعًا: اهتم (مكياڨللي) بالقضايا العسكرية، وبذل كل ما بوسعه لكي تتخلص فلورنسا من المرتزقة وتشكل جيشًا شعبيًا. كذلك عمل (ابن خلدون) كعامل لصالح السلاطين الحفصيين، لدى قبائل بني هلال، واكتسب من ذلك خبرة في المسائل العسكرية.
خامسًا: انتقل كلا الرجلين من السياسة إلى دراسة التاريخ.
حين نقرأ مؤلفات (ابن خلدون) و(مكياڨللي)، نقع على أقوال متماثلة تقريبًا. على سبيل المثال، كان موقف الرجلين من الدين حاسمًا بالنسبة إلى معاصريهم. حيثُ يحرص (مكياڨللي) على التفريق بين الممارسة البابوية والروح المسيحية ولا يرى في الدين سوى طريقة ممتازة لتربية الناس وتعليمهم ضبط غرائزهم. ويُعبِّر (ابن خلدون) عن الفكرة نفسها، فيؤكد أن البدو لا ينالون السلطة السياسية إلا إذا اتحدوا في نطاق حركة ذات أساس ديني، لأن الإيمان الديني وحده يُذهب من قلوبهم الغلظة والتنافس. وكلاهما يرى أنَّ الأمراء الذين يهتمون بشهواتهم وينفقون ببذخ تكون دولهم مهددة بالإفلاس ويخسرون دولهم في النهاية.
من السهل اعتبار أنَّ (ابن خلدون) و(مكياڨللي) عاشا المغامرات نفسها في ظروف قابلة للمقارنة، وأنهما أصدرا الأحكام نفسها على البشر. مع ذلك يقول البعض أنَّ مقارنتهما ليس لها معنى كبير، لأنهما يتنميان إلى حضارات متباينة. فقد ذكر (هاميلتون جيب) أنَّ (ابن خلدون) كان سُنيًا مالكيًا، وكان شاغله الرئيس أخلاق (الماوردي) و(الباقلاني)، والتوفيق بين الخلافة وحقائق الديكتاتورية العسكرية. كما أنَّ (مكياڨللي) كان لديه مفاهيم وتصورات لا يدركها فكر إسلامي؛ فمفاهيم مثل: الحرية والقانون والدستور كانت واضحة بالنسبة إلى (مكياڨللي) الفلورنسي، أما (ابن خلدون) فكان يتخذ موقفين في مواجهة مثل هذه المفاهيم: إما أن يخفضها إلى مفاهيم الفقه ويجعلها تفقد أصالتها، وإما يُدرجها في مقولات السياسة العقلية ويجعلها تفقد معناها.
أما من ناحية الفكر فيدور فكر (ابن خلدون) حول أربعة مفاهيم أساسية هي: الطبيعة، العمران، العصبية، المُلك. ويدور فكر (مكياڨللي) حول أربعة مفاهيم أخرى هي: الثروة، السياسة، القوة، الحرية. وكلٌ من هاتين المجموعتين يستند إلى عالم خاص.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان